فن الأيقونة
تعد الفنون الجميلة بحق من أنبل نشاطات العقل الإنساني ، ولا سيما الفن الديني وفي قمته الفن الكنسي المقدس . أنها تهدف بطبيعتها إلى نوع من التعبير ، في الأعمال البشرية ، عن الجمال الإلهي الغير المحدود ، وقد انقطعت إلى حمد الله وتمجيده بقدر ما انحصر همها في أن تؤدي بأعمالها إلى توجيه نفوس البشر إلى الله على أوسع وجه
والأم الكنيسة اهتمت بالفنون الجميلة ، من أجل أن تكون الأشياء المتعلقة بالعبادة المقدسـة على جانب كبير من اللياقة والتناسق والجمال بحيث تسير وترمز إلى الأمور العلوية
كما أن الكنيسة لم تلتزم بطراز فني واحد على أنه طرازها الخاص ، ولكنها تقلبت أنواع كل عصور ، وفاقد لطبائع الشعوب وأوضاعهم ، ورفاقاً لمتقاضيات شتّى الطقوس ، فكان لها من ذلك كلهُ على مر القرون كنز فني يجب الحفاظ عليه بكل عناية
لكن نجد البعض يـسيئون فهم حقيقة الإيمان الذي تحمله تلك الأيقونات المقدسة ، بالنسبة للكنيسة الجامعـة المقدسـة الرسولية ، والتي أخذت وديعة الإيمان من السيد المسيح عن طريق رسلهُ القـديسين ، وحيث أوكل إليها سلطان خلاص النفوس " طوبى لك يا سمعان … أنت صخرٌ وعـلى الصخر هذا سـأبني كـنيستـي … وسـأعطيك مفاتيح مـلكـوت السموات .فما ربطته في الأرض ربـط في السموات ، ومـا حللتـهُ في الأرض حـُل في السموات " متى 16 : 17 – 19
وإذ وجدت الكنيسة المقدسة الرسولية ، بالأيقونة إيماناً يتجاوب مع حاجات الإنسان ، فمنذ فجر المسيحية ، والجماعات الأولى المسيحية ، تلجئ إلى النقوش والرسوم ، التي تعبر عن إيمانها ، كرسمة السمكة ، والتي تحمل باللغة اليونانية من أسمها ، لكل حرف من تكوين كلمة سمكة { } ؛ يسوع المسيح أبن الله المخلص . وأقطاف العنب ، والتي ترمز إلى الكرمة ، التي أخذ منها الخمر { دم السيد المسيح } . وسنبلة القمح ، التي ترمز إلى { جسد السيد المسيح } . فالإنسان ليس روحاً وعقلاً بحت ، يستطيع أن يبقى في التجريدات الروحية والعقلية فقط ، وإنما هو لحم ودم ، إن لم يأكل ويشرب ويتنفس يموت ، فتلك الحاجة الجسدية إلى شيء حسي وملموس كدافع لرباط ما بين الإنسان والله الغير المدرك ، سعياً للاتحاد معه ، كانت الأيقونة خير وسيلة تخدم تلك الحاجة
ومن الناس من أعتقد أن الأيقونات ( الصور المقدسة ) والصليب الخشب ، موضوع عبادة ، فسقطوا في خطأ كبير ، فالأيقونات المقدسة هي موضوع تكريم فقط لا موضوع عبادة ، لمن تحمل في موضوعها ، لا لورقة وألوان وإطار مزركش . فأن قبلت صورة أخ لي بعيد عن نظري ولم ألمسه بيدي ، أو صورة إنسان احبه فارق الحياة ، فأنا لا أفعل ذلك لأقبل الورقة والألوان والبرواز ، وإنما أقبل من تحمل تلك الصورة للشخص ذاته ، أي أننا نلـمس حضوراً وجوديا لشخص نحبه في حياتنا ، ولكننا لا نراه أو نلمسه أو نحدثه وجها لوجه . وتلك حاجة إنسانية لا يمكن للإنسان الاستغناء عنها بشكل أو بأخر ، إذ إنها بعد وجودي فطري منذ أن كان هناك إنسان ، ونذكر مثالاُ عبادة الأصنام من الحجارة أو تمرٍ وعبادة الشمس والقمر و … الخ قبل أن يصل الإنسان إلى وعي لله الحقيقي خالق الوجود . فالعبادة كل العبادة هي لله وحده فقط
وإذ يرتكز البعض على أية الخروج ( 20 : 4 – 5 ) " لا تصنع لك منحوتا ولا صورة شيء مما في السماء من فوق ، ولا مما في الأرض من أسفل ، ولا مما في الماء من تحت الأرض ، لا تسجد لها ولا تعبدها ،لأني أنا الرب إلهك إله غيور … " فقد نسي هؤلء ، أنه عندما صعد موسى إلى الجبل ليحضر الوصايا وعاد وجد أن الشعب يعبد عجل الذهب ،خروج " ( 23 : 3 – 4 ) فنزع كل الشعب حلقات الذهب التي في آذانهم وأتوا بها هارون. فأخذها وصبها في قالب وصنعها عجلا … " وقال الرب لموسى " هلم أنزل ، فقد فسد شعبك الذي أصعدته من مصر ، فسرعان ما حادوا عن الطريق الذي أمرتهم به ، وصنعوا لأنفسهم عجلاً مسكوباً ، فسجدوا له وذبحوا له وقالوا : هذه ألهتك ، يا إسرائيل التي أصعدك من أرض مصر " وقال الرب لموسى : لقد رأيت هذا الشعب ، فـإذا هــو شـعب قـاسـي الـرقـاب ، والآن دعني ، ليضطرم غضبي عليهم فأفنيهم ، وأما أنت فأجعلك أمة عظيمة " خروج 32 : 7 – 10
نستنتج مما مضى ما يلي
1. أن الشعب المختار كان متأثراً بعقلية عبادة الأوثان ، التي في نظره الآلهة الحقيقية
2. هناك تعدد للآلهة في عبادته " هذه آلهتكِ ، يا إسرائيل "
3. تركز الآية " خروج 20 : 5 " على فكرة العبادة للصورة والأصنام
لكن من ناحية أخرى ، نجد أن الكنيسة المقدسة الرسولية الجامعة ، تنظر إلى الله والأيقونة المقدسة من رؤية تختلف كل الاختلاف عن النظرة السابقة ، أو كما يدعي البعض ضدها ، وهي بريئة كـل البراءة من تهمهم وادعاءهم التي لا أساس للصحة فيها
1. فالعبادة كل العبادة لله وحده فقط ، لكن ما تحمل تلك الأيقونات هو موضوع التكريم فقط
2. الكنيسة لا تعبد آلهة " هذه آلهتك ، يا إسرائيل " بل إله واحد في ثلاث أقانيم ، أظهر لنا ذاته في التاريخ ، في يوم عماد السيد المسيح ، والذي تسميه الكنيسة المقدسة ب " عيد الظهور الإلهي " . والسيد المسيح الذي قال أنا والأب واحد من رآني فقد رأى الأب . أي أن الإله أصبح منظوراً
وهكذا ، فالنقطة الثانية تفتح تساؤلا أخراً وهو ، أن الله قال لموسى في العهد القديم ، " أما وجهي فلا تستطيع أن تراه لأنه لا يراني إنسان ويبقى حياً " خروج 33 : 20 ، ونعلم أنه بلغ ملئ الزمان تجسد الإله " غلاطية 4 : 4 أي أن الإله أصبح جسدا ولم يعد روحا محضا مجردا ، أصبح ملموسا ومحسوسا ، " أنا والأب واحد " أصبح الإله مجسدا في الإنسان ، ولم يعد فكرة غريبة عن الإنسان ، بل واقعا ملموسا ومعاشا من خلال خبرة إيمان الكنيسة الأولى والرسل في الإنجيل المقدس ، مع السيد المسيح الإله الحقيقي . فهل من عذر بعد الآن لعمل الأيقونات المقدسة ، وأصبح إنسانا بالجسد
ومن هنا بات علينا أن نتنبه إلى حقيقة الآية خروج 20 : 4 – 5 . لذا لا بد من فهم الكتاب المقدس ضمن الإطار التاريخي للأحداث ، منعا للالتباس في فهم كلمة الله بالشكل الصحيح . فالكتاب المقدس حياة عيشة وشهادة حياة لأشخاص لمسوا الوعد الصادق من الله والخلاص الذي حل في شخص ابنه يسوع المسيح ، وأن الكتاب المقدس من ناحية أخرى بما في بيئة تاريخية وجغرافية ، فقد حمل الكتاب بإلهام الروحي من الله ، حملوا كل ما يحمله الزمان والمكان ، الأساليب الأدبية والقوالب الفكرية والأنماط اللغوية والتيارات والمدارس الفكرية لذلك الوقت ، لتعبر في النهاية عن الخبرة الإيمانية الروحية العميقة ما بين الله والإنسان في الكتاب المقدس وحياة الكنيسة
يبقى أن أقول بأن الأيقونة ، ليست مجرد ألوان جميلة ورسمه جميلة ، بل هي خبرة إيمان حملها آباء الكنيسة وشعبها المختار المقدس في طيات إيمانه لتعبر برموزها اللونية والفنية عن الأبعاد والنوافذ التي تفتحها أمام الإنسان المسيحي المؤمن مع الله في بعده اللامحدود ، ويصبح حضورا حيا في داخل الإنسان
تعد الفنون الجميلة بحق من أنبل نشاطات العقل الإنساني ، ولا سيما الفن الديني وفي قمته الفن الكنسي المقدس . أنها تهدف بطبيعتها إلى نوع من التعبير ، في الأعمال البشرية ، عن الجمال الإلهي الغير المحدود ، وقد انقطعت إلى حمد الله وتمجيده بقدر ما انحصر همها في أن تؤدي بأعمالها إلى توجيه نفوس البشر إلى الله على أوسع وجه
والأم الكنيسة اهتمت بالفنون الجميلة ، من أجل أن تكون الأشياء المتعلقة بالعبادة المقدسـة على جانب كبير من اللياقة والتناسق والجمال بحيث تسير وترمز إلى الأمور العلوية
كما أن الكنيسة لم تلتزم بطراز فني واحد على أنه طرازها الخاص ، ولكنها تقلبت أنواع كل عصور ، وفاقد لطبائع الشعوب وأوضاعهم ، ورفاقاً لمتقاضيات شتّى الطقوس ، فكان لها من ذلك كلهُ على مر القرون كنز فني يجب الحفاظ عليه بكل عناية
لكن نجد البعض يـسيئون فهم حقيقة الإيمان الذي تحمله تلك الأيقونات المقدسة ، بالنسبة للكنيسة الجامعـة المقدسـة الرسولية ، والتي أخذت وديعة الإيمان من السيد المسيح عن طريق رسلهُ القـديسين ، وحيث أوكل إليها سلطان خلاص النفوس " طوبى لك يا سمعان … أنت صخرٌ وعـلى الصخر هذا سـأبني كـنيستـي … وسـأعطيك مفاتيح مـلكـوت السموات .فما ربطته في الأرض ربـط في السموات ، ومـا حللتـهُ في الأرض حـُل في السموات " متى 16 : 17 – 19
وإذ وجدت الكنيسة المقدسة الرسولية ، بالأيقونة إيماناً يتجاوب مع حاجات الإنسان ، فمنذ فجر المسيحية ، والجماعات الأولى المسيحية ، تلجئ إلى النقوش والرسوم ، التي تعبر عن إيمانها ، كرسمة السمكة ، والتي تحمل باللغة اليونانية من أسمها ، لكل حرف من تكوين كلمة سمكة { } ؛ يسوع المسيح أبن الله المخلص . وأقطاف العنب ، والتي ترمز إلى الكرمة ، التي أخذ منها الخمر { دم السيد المسيح } . وسنبلة القمح ، التي ترمز إلى { جسد السيد المسيح } . فالإنسان ليس روحاً وعقلاً بحت ، يستطيع أن يبقى في التجريدات الروحية والعقلية فقط ، وإنما هو لحم ودم ، إن لم يأكل ويشرب ويتنفس يموت ، فتلك الحاجة الجسدية إلى شيء حسي وملموس كدافع لرباط ما بين الإنسان والله الغير المدرك ، سعياً للاتحاد معه ، كانت الأيقونة خير وسيلة تخدم تلك الحاجة
ومن الناس من أعتقد أن الأيقونات ( الصور المقدسة ) والصليب الخشب ، موضوع عبادة ، فسقطوا في خطأ كبير ، فالأيقونات المقدسة هي موضوع تكريم فقط لا موضوع عبادة ، لمن تحمل في موضوعها ، لا لورقة وألوان وإطار مزركش . فأن قبلت صورة أخ لي بعيد عن نظري ولم ألمسه بيدي ، أو صورة إنسان احبه فارق الحياة ، فأنا لا أفعل ذلك لأقبل الورقة والألوان والبرواز ، وإنما أقبل من تحمل تلك الصورة للشخص ذاته ، أي أننا نلـمس حضوراً وجوديا لشخص نحبه في حياتنا ، ولكننا لا نراه أو نلمسه أو نحدثه وجها لوجه . وتلك حاجة إنسانية لا يمكن للإنسان الاستغناء عنها بشكل أو بأخر ، إذ إنها بعد وجودي فطري منذ أن كان هناك إنسان ، ونذكر مثالاُ عبادة الأصنام من الحجارة أو تمرٍ وعبادة الشمس والقمر و … الخ قبل أن يصل الإنسان إلى وعي لله الحقيقي خالق الوجود . فالعبادة كل العبادة هي لله وحده فقط
وإذ يرتكز البعض على أية الخروج ( 20 : 4 – 5 ) " لا تصنع لك منحوتا ولا صورة شيء مما في السماء من فوق ، ولا مما في الأرض من أسفل ، ولا مما في الماء من تحت الأرض ، لا تسجد لها ولا تعبدها ،لأني أنا الرب إلهك إله غيور … " فقد نسي هؤلء ، أنه عندما صعد موسى إلى الجبل ليحضر الوصايا وعاد وجد أن الشعب يعبد عجل الذهب ،خروج " ( 23 : 3 – 4 ) فنزع كل الشعب حلقات الذهب التي في آذانهم وأتوا بها هارون. فأخذها وصبها في قالب وصنعها عجلا … " وقال الرب لموسى " هلم أنزل ، فقد فسد شعبك الذي أصعدته من مصر ، فسرعان ما حادوا عن الطريق الذي أمرتهم به ، وصنعوا لأنفسهم عجلاً مسكوباً ، فسجدوا له وذبحوا له وقالوا : هذه ألهتك ، يا إسرائيل التي أصعدك من أرض مصر " وقال الرب لموسى : لقد رأيت هذا الشعب ، فـإذا هــو شـعب قـاسـي الـرقـاب ، والآن دعني ، ليضطرم غضبي عليهم فأفنيهم ، وأما أنت فأجعلك أمة عظيمة " خروج 32 : 7 – 10
نستنتج مما مضى ما يلي
1. أن الشعب المختار كان متأثراً بعقلية عبادة الأوثان ، التي في نظره الآلهة الحقيقية
2. هناك تعدد للآلهة في عبادته " هذه آلهتكِ ، يا إسرائيل "
3. تركز الآية " خروج 20 : 5 " على فكرة العبادة للصورة والأصنام
لكن من ناحية أخرى ، نجد أن الكنيسة المقدسة الرسولية الجامعة ، تنظر إلى الله والأيقونة المقدسة من رؤية تختلف كل الاختلاف عن النظرة السابقة ، أو كما يدعي البعض ضدها ، وهي بريئة كـل البراءة من تهمهم وادعاءهم التي لا أساس للصحة فيها
1. فالعبادة كل العبادة لله وحده فقط ، لكن ما تحمل تلك الأيقونات هو موضوع التكريم فقط
2. الكنيسة لا تعبد آلهة " هذه آلهتك ، يا إسرائيل " بل إله واحد في ثلاث أقانيم ، أظهر لنا ذاته في التاريخ ، في يوم عماد السيد المسيح ، والذي تسميه الكنيسة المقدسة ب " عيد الظهور الإلهي " . والسيد المسيح الذي قال أنا والأب واحد من رآني فقد رأى الأب . أي أن الإله أصبح منظوراً
وهكذا ، فالنقطة الثانية تفتح تساؤلا أخراً وهو ، أن الله قال لموسى في العهد القديم ، " أما وجهي فلا تستطيع أن تراه لأنه لا يراني إنسان ويبقى حياً " خروج 33 : 20 ، ونعلم أنه بلغ ملئ الزمان تجسد الإله " غلاطية 4 : 4 أي أن الإله أصبح جسدا ولم يعد روحا محضا مجردا ، أصبح ملموسا ومحسوسا ، " أنا والأب واحد " أصبح الإله مجسدا في الإنسان ، ولم يعد فكرة غريبة عن الإنسان ، بل واقعا ملموسا ومعاشا من خلال خبرة إيمان الكنيسة الأولى والرسل في الإنجيل المقدس ، مع السيد المسيح الإله الحقيقي . فهل من عذر بعد الآن لعمل الأيقونات المقدسة ، وأصبح إنسانا بالجسد
ومن هنا بات علينا أن نتنبه إلى حقيقة الآية خروج 20 : 4 – 5 . لذا لا بد من فهم الكتاب المقدس ضمن الإطار التاريخي للأحداث ، منعا للالتباس في فهم كلمة الله بالشكل الصحيح . فالكتاب المقدس حياة عيشة وشهادة حياة لأشخاص لمسوا الوعد الصادق من الله والخلاص الذي حل في شخص ابنه يسوع المسيح ، وأن الكتاب المقدس من ناحية أخرى بما في بيئة تاريخية وجغرافية ، فقد حمل الكتاب بإلهام الروحي من الله ، حملوا كل ما يحمله الزمان والمكان ، الأساليب الأدبية والقوالب الفكرية والأنماط اللغوية والتيارات والمدارس الفكرية لذلك الوقت ، لتعبر في النهاية عن الخبرة الإيمانية الروحية العميقة ما بين الله والإنسان في الكتاب المقدس وحياة الكنيسة
يبقى أن أقول بأن الأيقونة ، ليست مجرد ألوان جميلة ورسمه جميلة ، بل هي خبرة إيمان حملها آباء الكنيسة وشعبها المختار المقدس في طيات إيمانه لتعبر برموزها اللونية والفنية عن الأبعاد والنوافذ التي تفتحها أمام الإنسان المسيحي المؤمن مع الله في بعده اللامحدود ، ويصبح حضورا حيا في داخل الإنسان